بسم الله الرحمن الرحيم
"العدل أساس الملك" حكمة قديمة يثبت التاريخ والواقع مصداقيتها إلى حد بعيد.. فإذا ساد العدل في مجتمع من المجتمعات فإن الإنسان يعيش آمناً في نفسه آمناً على أهله وماله.. وبالتالي يشعر بانتمائه الحقيقي للمجتمع الذي يعيش فيه .. وفي ظل هذا الانتماء القوي من الفرد للمجتمع والدولة.. تنمو الحاجة الملحة للدفاع عن كيان هذا المجتمع وهذه الدولة في كل عضو من أعضائه.. ولذلك نجد هذا المجتمع متيناً متماسكاً عصياً على الأعداء لا يستطيعون النيل منه.. لأن كل فرد في المجتمع يعلم أنه إن لم يهب للدفاع عن هذا المجتمع فإنه في ظل الأعداء سيسام الهوان والذل فيرفض ذلك بطبيعته.. وهكذا تستمد هذه المجتمعات متانتها في مواجهة العدوان الخارجي .
بينما عمر بن عبد العزيز يطوف ذات يوم في أسواق " حمص " ليتفقد الباعة ويتعرَّف على الأسعار، إذ قام إليه رجلٌ وقال: يا أمير المؤمنين..
لقد سمعت أنك أمرت.. من كان مظلومًا أن يأتيك .
فقال: نعم .
فقال: وها قد أتاك رجلٌ مظلومٌ بعيدُ الدَّار .
فقال عمر: وأين أهلك ؟
فقال الرجل: في "عدن "
فقال عُمر: والله، إن مكانك من مكان عمر لبعيد .
ثم نزل عن دابّته، ووقف أمامه وقال : ما ظلامتُك ؟
فقال: ضيعةٌ لي وثب عليها رجلٌ ممن يلوذون بك وانتزعها مني .
فكتب عمر كتابًا إلى "عروة بن محمد " وآليه على "عدن" يقول فيه: أمَّا بعد: فإذا جاءك كتابي هذا فاسمع بيَّنة حامله، فإن ثبت له حقٌّ، فادفع إليه حقَّهُ .
ثم ختم الكتاب وناوله للرجل .
فلما هم الرجل بالانصراف قال له عمر: على رسلك.. إنك قد أتيتنا من بلدٍ بعيدٍ ..
ولا ريب في أنك استنفدت في رحلتك هذه زادًا كثيرًا .. وأخلقت ثيابًا جديدة . ولعلَّه نفقت لك دابةٌ.
ثم حسب ذلك كله، فبلغ أحد عشر دينارًا، فدفعها إليه وقال: أشع ذلك في الناس حتى لا يتثاقل مظلومٌ عن رفع ظُلامتِهِ بعد اليوم مهما كان بعيد الدَّار.